يشير أميت ياروم إلى أن مشروع جسر موسى الجديد بقيمة 4 مليارات دولار قد يعيد تشكيل المشهد الاستراتيجي لإسرائيل في منطقة الشرق الأوسط

 

أعلنت السعودية ومصر مؤخرًا عن خطط نهائية لبناء جسر موسى، وهو طريق بري بطول 32 كيلومترًا يربط ساحل رأس حميد السعودي بشبه جزيرة سيناء عند شرم الشيخ. سُمّي الجسر على اسم قصة موسى في شق البحر، ويهدف المشروع الضخم إلى ربط آسيا وأفريقيا فعليًا، وتعزيز التجارة والسياحة ومسارات الحج بين الخليج وشمال أفريقيا. يمول المشروع بالكامل الرياض ويعكس ديبلوماسية البنية التحتية الأوسع لرؤية 2030 التي يقودها ولي العهد محمد بن سلمان، ويشير إلى تحول من عقود من النقاش إلى التنفيذ الفعلي.

 

حسب أتلانتيك كآونسل، يحمل المشروع دلالات جيوسياسية واقتصادية مهمة للمنطقة. يتيح الجسر تسهيلات لوجستية وتعزيز التكامل بين الخليج وأفريقيا، لكنه يفرض تحديات استراتيجية لإسرائيل، إذ يتجاوز الجسر الأراضي الإسرائيلية تمامًا، ما يشكل بديلًا للمسار المقترح لممر الهند–الشرق الأوسط–أوروبا (IMEC) الذي كان من المتوقع أن تلعب فيه إسرائيل دورًا محوريًا. إلى جانب الممرات البرية الناشئة عبر سوريا والعراق، يوضح جسر موسى احتمال مستقبل قد تُستبعد فيه إسرائيل عن التكامل الإقليمي إذا استمرت التوترات السياسية. تواجه إسرائيل هذه البدائل كتحذير واضح لما هو على المحك وما يمكن تحقيقه، ويفترض أن تنظر إلى هذه الممرات الجديدة كفرص تكاملية بدلًا من منافسة صفرية

 

من الرؤية إلى الواقع: جسر موسى

 

يعكس مشروع جسر موسى رغبة السعودية ومصر في تنويع شبكات الاتصال وفق شروطهما الخاصة. اقترح المشروع قبل عقود، واتفق عليه مبدئيًا الملك سلمان ورئيس الانقلاب المصري عبد الفتاح السيسي في 2016، وزاد الزخم بعد أن نقلت مصر جزيرتي تيران وصنافير الاستراتيجيتين للسعودية في 2017، ما أزال عقبة دبلوماسية كبيرة.

 

في يونيو 2025، بعد نحو عقد من الزمن، أكد وزير النقل المصري كامل الوزير أن جميع التخطيطات للجسر جاهزة وأن الإنشاء يمكن أن يبدأ "في أي وقت" بعد الموافقات النهائية. يقع الجسر في موقع استراتيجي عند مضيق تيران، البوابة لميناء إيلات الإسرائيلي الوحيد على البحر الأحمر، وتحتضنها الضمانات الدولية وفق اتفاقيات كامب ديفيد. مع وجود تأكيدات أمنية مدعومة أمريكيًا، لم تعارض إسرائيل المشروع.

 

من منظور لوجستي، يتيح جسر موسى تبسيط التجارة والسفر الإقليمي بشكل كبير، إذ صُمم لدعم المرور البري وربما السكك الحديدية، مع اتصال محتمل بشبكة السكك الحديدية السعودية المتوسعة وبنية مصر التحتية في سيناء. كما يدعم الجسر مشروع مدينة نيوم السعودية القريبة من نقطة النهاية، ويتوقع المسؤولون أن يخدم الجسر أكثر من مليون مسافر سنويًا، بما في ذلك الحجاج من شمال أفريقيا إلى المدن المقدسة. يوفر الجسر بديلًا بريًا يخفف الضغط على نقاط الاختناق البحرية ويقلل أوقات النقل وتكاليف الشحن، وهو أمر بالغ الأهمية بعد التأثير المالي الأخير لقناة السويس نتيجة اضطرابات الحوثيين في البحر الأحمر.

 

 دور إسرائيل المتجاوز

 

ظهر جسر موسى في وقت تتسابق فيه القوى الإقليمية لتأسيس شبكات اتصال شرقية–غربية. أعلنت الولايات المتحدة والهند والسعودية والإمارات والاتحاد الأوروبي في قمة مجموعة العشرين 2023 عن مبادرة IMEC، ممر تجاري يربط الموانئ الهندية بأوروبا عبر الخليج وإسرائيل. خطط المشروع تضمنت مسارين: رابط بحري من المحيط الهندي إلى شبه الجزيرة العربية، ومسار بري شمالي يمر بالإمارات والسعودية والأردن وإسرائيل إلى الموانئ المتوسطية.

 

شكل IMEC فرصة استراتيجية لإسرائيل لتحقيق عوائد النقل وجذب الاستثمار الأجنبي المباشر، ووصفه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بأنه "نعمة للشرق الأوسط الجديد، تحول الأراضي التي كانت تعاني صراعات إلى مجالات ازدهار وسلام". لكن اندلاع الحرب في غزة أواخر 2023 أضعف الحماس الإقليمي وأوقف محادثات التطبيع مع السعودية، ما أثار الشكوك حول موثوقية إسرائيل كشريك، ودفع الجهات الإقليمية إلى تنويع خياراتها.

 

التحوط الاستراتيجي السعودي والدور المصري

 

يعكس جسر موسى استراتيجية السعودية في التحوط، إذ تستثمر الرياض في ممرات متعددة: شرقًا إلى الهند، وغربًا إلى أفريقيا، وشمالًا عبر العراق وسوريا إلى تركيا، جميعها تتجاوز إسرائيل. يوفر الجسر بديلًا مستقلًا للوصول إلى أوروبا عبر مصر، متجنبًا التورط في النزاع الإسرائيلي–الفلسطيني.

 

تسعى مصر بدورها إلى تعزيز منظومة اللوجستيات الوطنية، وضمان مرور البضائع القادمة عبر جسر موسى إلى موانئ مثل بورسعيد أو دمياط بسلاسة، ودمج المشروع مع استراتيجيتها الوطنية للنقل والبنية التحتية، بما في ذلك خطوط السكك الحديدية الجديدة، وتحديث الموانئ، ومناطق اللوجستيات في سيناء. كما يساهم المشروع في تنشيط السياحة في شرم الشيخ، ويقلل اعتماد مصر على قناة السويس، التي انخفضت عائداتها نحو 50% بسبب توترات البحر الأحمر.

 

إلى جانب جسر موسى، ناقش المسؤولون فتح طريقين بريين إضافيين: إعادة فتح تدريجية لسوريا لإعادة ربط دول الخليج بتركيا عبر السعودية أو الأردن، والطريق التنموي العراقي الذي يربط ميناء الفاو الكبير بتركيا. كل منهما يوفر بدائل نظرية لكنه يواجه تحديات مالية وسياسية وأمنية كبيرة.

 

الآثار الجيوسياسية لإسرائيل والمسارات المستقبلية

 

توضح هذه التطورات وجود بدائل برية قد تقلل أهمية إسرائيل كمركز عبور استراتيجي. يعكس جسر موسى رسالة استراتيجية مفادها أن السعودية ومصر تبنيان بنية تحتية لمنطقة الشرق الأوسط ما بعد الصراع قد لا تعتمد على إسرائيل. بالنسبة للولايات المتحدة، يمكن لهذا التحول أن يقلل من قنوات نفوذها المحتملة في المنطقة. مع عودة سوريا والعراق وتركيا إلى المحادثات الاقتصادية، ولامبالاة الدول العربية باستكشاف طرق بديلة، يجب على إسرائيل استعادة ميزتها الجيوسياسية.

 

تشير المؤشرات الدبلوماسية إلى هذا التحول؛ فقد زار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب دول الخليج في مايو 2025 متجاوزًا إسرائيل، وعرض حوافز اقتصادية للسعودية دون ربطها بالتطبيع، مما يعكس تغيير الأولويات الإقليمية.
 

https://www.atlanticcouncil.org/blogs/menasource/moses-parts-the-red-sea-israels-strategic-challenges-as-new-routes-emerge/